- spiritمبتدي
- مُشاركآتيَ » : 40
الجنس :
بغداد .........اه لو يجدي الكلام
السبت مايو 08, 2010 11:11 pm
كانت الكلمات متحفزة في خاطري منذ وقت ليس بالقصير ، الأشجان كذلك كانت تتسابق للكتابة من قبل العدوان على عراق الرشيد ..منذ أشهر عندما ذهبتُ وتجولت في سوق المتنبي ودخلت المدرسة المستنصرية وعانقت نخيل السيّاب ، تأخرت القوافي عن الظهور ، بعضها اليوم أكمل سنوات وهو يبحث في صدري عن مخرج ليسكبَ على الأوراق حنينه والبعض الآخر اختلطت فيه الحروف بين بداية العدوان وليس انتهاءً بالليل الأسود الذي بسط حرابه الحمراء على بغداد ،سطورٌ سوداء تحمل كلماتنا ، وتاريخٌ يكاد يتوقف نبضه عن الخفقان وهو يهزأ بنا بعد أن عاف مواويل العتاب .كنت أتمنى أن لا يغلب على سطوري الوجع الذي لابد منه ، والتعب الذي لم يستطع رغم شحوب أرض الرافدين من أن يُحاصر أحلام أمة لا تزال على موعد مع الصبح ..
أولُ النزف :
أوَّاهُ ، "ليلى في العراقِ مريضةٌ" يا صاحبي كلَّ العراقِ عليلُ
أوَّاهُ، ليلى تستجيرُ بأهلِها يا إخوتي خذلَ الفراتَ النِّيلُ
الحلمُ في بغدادَ ماتَ محاصراً والفجرُ في أحضانها مقتولُ
لو أنهَُّ يفيق !!!
ماذا كان سيقول الشاعر " علي بن الجهم " لو استيقظ من رقاده ورأى ما نراه اليوم في بغداد ؟ ربما انحبست القصائد على لسانه ، وأصابت قوافيه الحيرة والدهشة ؟؟ ربما غَّير بعض مفردات قصيدته الشهيرة التي تفيض رقة وغزلاُ ، لتصف الحال بزفراتٍ متواصلة وآهات لا تتقطع. ..اليوم أعتذر من شاعرنا العزيز كي أصف الحال مُختَصراً في حروفه مُطوَّلاً في حُتوفِه!!
عيونُ " الرَّدى " بين الرّصافةِ والجِسرِ …جلبنَ " العِدا " من حيثُ أدري ولا أدري
نعم ..فالرَّدى الذي جاء مزنَّراً بالحقد الأسود ، والأعداء الذين لوَّنوا قصائد " المربد " بالدم والوجع ، جلبوا معهم أشباح الوَهن إلى أمتنا وغرسوا في صدرها رهبة الخوف من النيازك؟!
يا دجلة الخير :
فجأة وبدون مقدمات تذكر أدباؤنا وشعراؤنا بغداد !!!
ملؤا صفحات الجرائد بالعويل !! غمروا المنتديات بالحديث عن أرض الرافدين ..مهد الحضارة ومنبت الشعر ومهوى الشعراء ..
طرقوا الباب على المتنبي ، وتذاكروا سيرة النقائض بين الفرزدق وجرير..حتى أغرقوا " السيَّاب " في أمواج الخليج الذي كان يناديه ، وصارت " غابتا النخيل ساعة السحر " غابتين من صواريخ مغروسة في كل شبر من أرض العراق الجريح ..ونسمع السيّاب ينادي :
صوتٌ تفجّرَ في قرارةِ نفسيَ الثَّكلى: عراقْ
كالمَدِّ يصعَدُ، كالسَّحابةِ ، كالدُّموعِ إلى العيونْ
الرِّيحُ تصرخُ بي: عِراقْ
والموجُ يعولُ بي: عِراقٌ، عِراقٌ، ليسَ سِوى عِراقْ!
هذا النشيج الذي يُخيمُ على نفس الشاعر، يسكن اليوم في نفوس الكثيرين منا الآن ، وهو يصرخ بالعراق ، ويرى الأمواج تكاد تغرقه ، أمواج التتار الذين قدموا إليه تحت كلمة حقٍّ أُريد بها باطل لهذه الأمة .
قبل ذلك أو بعده ، لا ضير لكن شاعر الرافدين وأحد نخيله الأدبية " محمد مهدي الجواهري يكشف عن شيء من الأوجاع والنفثات التي يبثها في حديث مغمور بالأشجان في خطاب لا يخلو من الأحزان كما قلنا في قصيدته المعروفة " يا دجلة الخير " ، دجلة اليوم يعاني تماما كما جاء في قوافيه الجريحة وأشعاره القلقة :
يا دجلة الخير: ما يُغليكِ من حنقٍ** يغلي فؤادي، وما يُشجيك يشجيني
ما إن تزال سياطُ البغي ناقعةً** في مائك الطهْر بين الحين والحينِ
ووالغاتٌ خيولُ البغي مصبحةً** على القرى آمناتٍ والدهاقينِ
يا دجلة الخير: أدري بالذي طفحت** به مجاريك مِن فوقٍ إلى دونِ
أدري على أيِّ قيثارٍ قد انفجرت** أنغامُك السُمر عن أنَّاتِ محزونِ
لا أدري هل كان سيحتفظ الشاعر بلفظة " القيثار " في هذه الأبيات لو امتد به العمر إلى هذه الأيام ، أم أنه كان سيقطع أوتار قيثارته الشعرية ، ويبكي على دجلة يشكو إليها خيول الغزاة وهي تُدَنِّسُ بحوافرها ضفاف النهر الحبيب . لكن الأمر الجميل و الموجع في آن واحد تكمنُ في أن أبيات الجواهري هذه تعكسُ في معانيها كثيراً مما يعانيه عراق دجلة ، الذي عشقه الشاعر رغم سياط البغي التي عاثت في طهره ، وخيول الغزاة التي ولغت في قراه ، وما أشبه الليلة الجريحة بالأمس الحزين!!
تسألني الآن : ماذا بعد هذه الوقفة على بوابات الصمت في بغداد الرشيد ، ونحن نرى الصمت يُلجِمُ المروءة العربية وهي تنظر في الدروب ، أعياها البحث عن معتصمٍ حقيقي .
من جديد … تنزل القوافي عن خيول الخذلان ، تقف الكلماتُ في حلوقنا ، وتخنقنا قوافي " أبي الطيب المتنبي " وهي تملأ الكون بالحقيقة الجديدة القديمة والبسيطة العميقة :
عِشْ عزيزا أو مت وأنت كريم ُ …بين طعن القنا وخفق البنود ِ
فرؤوس الرماح أذهب للغيظ…واشفى لغل صدر الحقودِ
لم يبق في دواوين القصائد في بغداد إلا أشعار مخضبة بالدم ، والمآذن على شفاهها نشيد حزين ، وتراتيل غاضبة وأحلام تائهة !!!
الشاعر الثرثار ..آه لو يجدي الكلام :
شهدت الشهور التي سبقت الاحتلال الأمريكي للعراق حركة شعبية عالمية رافضة للحرب ومنددة لذلك العدوان ، وكان من ضمن هذا النشاط الحركة الأدبية التي قادها عدد من الشعراء الأجانب !!! أقول الأجانب وليس العرب !! قصائد مناهضة للحرب وداعية "للسلم"!! قالت بعض المصادر أنها وصلت لحوالي ثلاثة عشر ألف قصيدة ..
اليوم نتساءل : هل ستخرجُ إلى العالم مواكب القصائد تطلب ضمادة جرحٍ لحضارةٍ إنسانية أم أن الذهول أصابها أيضا ، والتحقت بركب الخذلان .
الأشعار التي ملأت الصحف ، والقصائد التي تتابعت كرصاص ٍمنهمر ، وضح لنا أنها رصاصاتٌ فارغة وطائشة لا تقدر على قتل مغتصب ، أو طرق مسمار في نعشه ، إنها ثرثرة الشعراء إذن ، وثرثرة قوافي تلونت لغاتها فرد عليها الجلاد بلغة واحدة هي لغة الدم والنار . طالعتُ وقرأت شيئاُ من هذه القصائد في الصفحات الثقافية في العديد من الصحف العربية ، ثمَّ ماذا ؟؟ هل منعن قذيفة من الانطلاق أو حجبت عن الغزاة ما يصبون إليه من دمار .. إن أول تلك القصائد الثرثارة هي قصيدتي وآخرها هي كلماتي فلن تقدم هذه الكلمات شيئا ولن تؤخر ، وأنا أنظر إليها لا أدري ماذا أصابها حتى غدت عاجزة عقيمة ، وُلدت من رحم الثرثرة :
الشاعرُ الثرثارُ يا بغدادُ حاصره الحِمامْ
سنَّ السَّيوفَ منَ الكلامِ وآهِ لو يجدي الكلامْ
في معبد ِالطغيانِ بالكلماتِ كم صلَّى وصامْ
هو أول المتخاذلين بكفِّهِ زرعَ الخصامْ
ومضى يُغنِّي -بئسَ ما غنَّى - على وطنِ السَّلامْ
إنْ كنتَ تجهل ُما أقولُ ، القولُ ما قالت حذامْ
اسألْ فلسطينَ التي أحزانهُا خمسونَ عامْ
بينَ القوافلِ والقوافي تاهَ شعبي فى الزِّحامْ
ولكن :
تعاتبنا سطورنا أحيانا ، وفي أحيان أخرى تطلب منا أن نتوقف عن جلدها خاصة ونحن نسرع في كل مرة لتنميق الكلمات على صفحات الصمت !! أقول هذا وانا أدرك رغم ثرثرة الكلمات أنها للشعراء اجمل رصاصة وأغلى مدفع يستطيعون امتلاكه في زمن الحصار . ولعلَّ قصيدة الشاعر الفلسطيني " خميس" أبلغ ما تكون في هذا "الزحام" ، فالنزف المتواصل من وجدانها استدعى تدخل الشاعر كما وصف ذلك بنفسه ، عموماً سأترك الأبيات دون تعليق تركا للقارئ الكريم أن يقف على:
اليومَ عاودني الحنينُ إلى الكلامْ .
صورٌ تزاحمُ بعضَها ،
وتقولُ لي : زِنِّي كما أحببتَ ،
واكتبني بقلبٍ مُستهامْ .
دعني أكونُ خفيفةً مثل الندى
ورقيقةً مثل السلامْ
لا تنتظرْ ..
فلقد أتيتُ لكي أريحكَ ،
غير أن الوقتَ يقتلني
لذا أنتَ المُلامْ
إنْ جئتُ باهتةً إليكَ ،
وبعضُ ألواني ، على ما لا يُرامْ
عِرني اهتمامكَ ،
لا تدعني هكذا دون اهتمامْ
لا أستطيعُ الصبر أكثرَ ،
لا تؤجلني ،
وخذني الآن للذكرى
لتعرف بعد عامٍ كيف كنا قبل عامْ
وبأن بغدادَ التي كانت هنا
ظلت هنا ،
ولسوف تبقى ها هنا
وعلى الدوامْ
من هنا علينا التفريق بين قصائد يحكمها جنرال اليأس وبين أشعار جنّدت نفسها للأمة ، لبث الأمل وروح الإيمان فيها رغم كل ما يصيبها من نوائب وينزل عليها من كوارث . من هنا نستطيع أن نتحسس مشاعر فاروق جويدة وهو يصرخ :
أطفالُ بغداد الحزينةِ يَسألونْ
عَنْ أَيِّ ذَنْبٍ يُقتلونْ
يَترَنَّحونَ على شظايا الجوع
يقتسمونَ خُبْزَ الموتِ.. ثُمَّ يُودِّعونْ
شبَحُ' الهنودِ الحُمْرِ' يَظهرُ
في صقيعِ بلادنا
ويصيحُ فينا الطامعونْ...
مِنْ كُلِّ صَوْبٍ قادمونْ
مِنْ كُلِّ جِنْسٍ يزحفونْ
وهو في خضم هذا الخطر الدّاهم يصف حال الأمة بدروبها المخضبة بالتضحيات يصف حال الفئة المتخاذلة لتكتمل الصورة ويرتسم المشهد الجريح في القلوب :
تَبدو شوارُعنا بلونِ الدَّمِّ
والكُهَّانُ في خمرِ النَّدامةِ غارقونْ
تبدو قلوبُ النَّاسِ أشباحاً
ويغدو الحلمُ طيفاً عاجزاً
بين المهانةِ.. والظنُّونْ
وبعد :
الليل الذي ازداد سواداً بسقوط بغداد ، صرخات القصائد متواصلة لكن في بعضها رؤية بعيدة ومعاني عميقة في قوالب شعرية ، من هذه الصرخات التي تشق ليل العروبة تنبه من الخطر وتدعو لليقظة قصيدة الشاعر الليبي عبد المولى البغدادي :
أَزِفَ السَّبْقُ يا خيولَ السِّباقِ مَنْ عَليهِ الرِّهانُ بعدَ العراقِ ؟؟
مَنْ عليهِ الرِّهانُ يا لجمَ الماسِ ومستودعَ الكنوزِ العِتاقِ
أَزِفَ السَّبْقُ والمنافِذُ سُدَّتْ واستعدَّتْ رقابُنا للسِّباقِ
وَدَنَتْ ساعةُ اللَّحاقِ ببغدادَ فماذا يكونُ بعدَ اللَّحاقِ؟؟
وقبل الوداع يكون النداء والخوف من الرثاء القادم إذا ظلت الأمة في غفلتها :
نحنُ لا أنتَ يا عراقَ الضَّحايا لم نزَلْ رغمَ بُعدِنا في اشتياقِ
لوْ تهاوى العراقُ لم يبقَ دَمعٌ أوْ دمٌ فى العُروقِ غيرَ مُراقِ
لوْ تهاوى العراقُ كمْ مِنْ عراقٍ سوفَ يهوي كذابلِ الأوراقِ
والله لو جاءت قصائدُ شعرائنا بهذا الصدق ، وهذا الإدراك لخطورة رسالته ، لتوقفنا عن القول بأن كثيراً من قصائدنا هي ثرثرة شعراء لا أكثر .
وتبقى بغداد رغم كل الأوجاع :
بغدادُ ثكلى لا يُكفكفُ دمعَها ...إلا لهيبٌ مَقدِسيٌّ عاتي
يهوي ب"أمريكا" إلى ذلِّ الرَّدى...والنَّخلُ يبقى شامخَ الرّاياتِ
فلسطين أرض وتاريخ | فلسطين القضية | القدس المحتلة | المسحد الأقصى المبارك | حركة حماس | الإرهاب الصهيوني | التحليل السياسي | فلسطين بالصوت والصورة | التراث الفلسطيني | تواريخ وأحداث | الفتاوى والتأصيل الشرعي | كتب وإصدارات | حقوق وحريات | الشعر والأدب الفلسطيني | مقالات وتقارير | مختارات
أولُ النزف :
أوَّاهُ ، "ليلى في العراقِ مريضةٌ" يا صاحبي كلَّ العراقِ عليلُ
أوَّاهُ، ليلى تستجيرُ بأهلِها يا إخوتي خذلَ الفراتَ النِّيلُ
الحلمُ في بغدادَ ماتَ محاصراً والفجرُ في أحضانها مقتولُ
لو أنهَُّ يفيق !!!
ماذا كان سيقول الشاعر " علي بن الجهم " لو استيقظ من رقاده ورأى ما نراه اليوم في بغداد ؟ ربما انحبست القصائد على لسانه ، وأصابت قوافيه الحيرة والدهشة ؟؟ ربما غَّير بعض مفردات قصيدته الشهيرة التي تفيض رقة وغزلاُ ، لتصف الحال بزفراتٍ متواصلة وآهات لا تتقطع. ..اليوم أعتذر من شاعرنا العزيز كي أصف الحال مُختَصراً في حروفه مُطوَّلاً في حُتوفِه!!
عيونُ " الرَّدى " بين الرّصافةِ والجِسرِ …جلبنَ " العِدا " من حيثُ أدري ولا أدري
نعم ..فالرَّدى الذي جاء مزنَّراً بالحقد الأسود ، والأعداء الذين لوَّنوا قصائد " المربد " بالدم والوجع ، جلبوا معهم أشباح الوَهن إلى أمتنا وغرسوا في صدرها رهبة الخوف من النيازك؟!
يا دجلة الخير :
فجأة وبدون مقدمات تذكر أدباؤنا وشعراؤنا بغداد !!!
ملؤا صفحات الجرائد بالعويل !! غمروا المنتديات بالحديث عن أرض الرافدين ..مهد الحضارة ومنبت الشعر ومهوى الشعراء ..
طرقوا الباب على المتنبي ، وتذاكروا سيرة النقائض بين الفرزدق وجرير..حتى أغرقوا " السيَّاب " في أمواج الخليج الذي كان يناديه ، وصارت " غابتا النخيل ساعة السحر " غابتين من صواريخ مغروسة في كل شبر من أرض العراق الجريح ..ونسمع السيّاب ينادي :
صوتٌ تفجّرَ في قرارةِ نفسيَ الثَّكلى: عراقْ
كالمَدِّ يصعَدُ، كالسَّحابةِ ، كالدُّموعِ إلى العيونْ
الرِّيحُ تصرخُ بي: عِراقْ
والموجُ يعولُ بي: عِراقٌ، عِراقٌ، ليسَ سِوى عِراقْ!
هذا النشيج الذي يُخيمُ على نفس الشاعر، يسكن اليوم في نفوس الكثيرين منا الآن ، وهو يصرخ بالعراق ، ويرى الأمواج تكاد تغرقه ، أمواج التتار الذين قدموا إليه تحت كلمة حقٍّ أُريد بها باطل لهذه الأمة .
قبل ذلك أو بعده ، لا ضير لكن شاعر الرافدين وأحد نخيله الأدبية " محمد مهدي الجواهري يكشف عن شيء من الأوجاع والنفثات التي يبثها في حديث مغمور بالأشجان في خطاب لا يخلو من الأحزان كما قلنا في قصيدته المعروفة " يا دجلة الخير " ، دجلة اليوم يعاني تماما كما جاء في قوافيه الجريحة وأشعاره القلقة :
يا دجلة الخير: ما يُغليكِ من حنقٍ** يغلي فؤادي، وما يُشجيك يشجيني
ما إن تزال سياطُ البغي ناقعةً** في مائك الطهْر بين الحين والحينِ
ووالغاتٌ خيولُ البغي مصبحةً** على القرى آمناتٍ والدهاقينِ
يا دجلة الخير: أدري بالذي طفحت** به مجاريك مِن فوقٍ إلى دونِ
أدري على أيِّ قيثارٍ قد انفجرت** أنغامُك السُمر عن أنَّاتِ محزونِ
لا أدري هل كان سيحتفظ الشاعر بلفظة " القيثار " في هذه الأبيات لو امتد به العمر إلى هذه الأيام ، أم أنه كان سيقطع أوتار قيثارته الشعرية ، ويبكي على دجلة يشكو إليها خيول الغزاة وهي تُدَنِّسُ بحوافرها ضفاف النهر الحبيب . لكن الأمر الجميل و الموجع في آن واحد تكمنُ في أن أبيات الجواهري هذه تعكسُ في معانيها كثيراً مما يعانيه عراق دجلة ، الذي عشقه الشاعر رغم سياط البغي التي عاثت في طهره ، وخيول الغزاة التي ولغت في قراه ، وما أشبه الليلة الجريحة بالأمس الحزين!!
تسألني الآن : ماذا بعد هذه الوقفة على بوابات الصمت في بغداد الرشيد ، ونحن نرى الصمت يُلجِمُ المروءة العربية وهي تنظر في الدروب ، أعياها البحث عن معتصمٍ حقيقي .
من جديد … تنزل القوافي عن خيول الخذلان ، تقف الكلماتُ في حلوقنا ، وتخنقنا قوافي " أبي الطيب المتنبي " وهي تملأ الكون بالحقيقة الجديدة القديمة والبسيطة العميقة :
عِشْ عزيزا أو مت وأنت كريم ُ …بين طعن القنا وخفق البنود ِ
فرؤوس الرماح أذهب للغيظ…واشفى لغل صدر الحقودِ
لم يبق في دواوين القصائد في بغداد إلا أشعار مخضبة بالدم ، والمآذن على شفاهها نشيد حزين ، وتراتيل غاضبة وأحلام تائهة !!!
الشاعر الثرثار ..آه لو يجدي الكلام :
شهدت الشهور التي سبقت الاحتلال الأمريكي للعراق حركة شعبية عالمية رافضة للحرب ومنددة لذلك العدوان ، وكان من ضمن هذا النشاط الحركة الأدبية التي قادها عدد من الشعراء الأجانب !!! أقول الأجانب وليس العرب !! قصائد مناهضة للحرب وداعية "للسلم"!! قالت بعض المصادر أنها وصلت لحوالي ثلاثة عشر ألف قصيدة ..
اليوم نتساءل : هل ستخرجُ إلى العالم مواكب القصائد تطلب ضمادة جرحٍ لحضارةٍ إنسانية أم أن الذهول أصابها أيضا ، والتحقت بركب الخذلان .
الأشعار التي ملأت الصحف ، والقصائد التي تتابعت كرصاص ٍمنهمر ، وضح لنا أنها رصاصاتٌ فارغة وطائشة لا تقدر على قتل مغتصب ، أو طرق مسمار في نعشه ، إنها ثرثرة الشعراء إذن ، وثرثرة قوافي تلونت لغاتها فرد عليها الجلاد بلغة واحدة هي لغة الدم والنار . طالعتُ وقرأت شيئاُ من هذه القصائد في الصفحات الثقافية في العديد من الصحف العربية ، ثمَّ ماذا ؟؟ هل منعن قذيفة من الانطلاق أو حجبت عن الغزاة ما يصبون إليه من دمار .. إن أول تلك القصائد الثرثارة هي قصيدتي وآخرها هي كلماتي فلن تقدم هذه الكلمات شيئا ولن تؤخر ، وأنا أنظر إليها لا أدري ماذا أصابها حتى غدت عاجزة عقيمة ، وُلدت من رحم الثرثرة :
الشاعرُ الثرثارُ يا بغدادُ حاصره الحِمامْ
سنَّ السَّيوفَ منَ الكلامِ وآهِ لو يجدي الكلامْ
في معبد ِالطغيانِ بالكلماتِ كم صلَّى وصامْ
هو أول المتخاذلين بكفِّهِ زرعَ الخصامْ
ومضى يُغنِّي -بئسَ ما غنَّى - على وطنِ السَّلامْ
إنْ كنتَ تجهل ُما أقولُ ، القولُ ما قالت حذامْ
اسألْ فلسطينَ التي أحزانهُا خمسونَ عامْ
بينَ القوافلِ والقوافي تاهَ شعبي فى الزِّحامْ
ولكن :
تعاتبنا سطورنا أحيانا ، وفي أحيان أخرى تطلب منا أن نتوقف عن جلدها خاصة ونحن نسرع في كل مرة لتنميق الكلمات على صفحات الصمت !! أقول هذا وانا أدرك رغم ثرثرة الكلمات أنها للشعراء اجمل رصاصة وأغلى مدفع يستطيعون امتلاكه في زمن الحصار . ولعلَّ قصيدة الشاعر الفلسطيني " خميس" أبلغ ما تكون في هذا "الزحام" ، فالنزف المتواصل من وجدانها استدعى تدخل الشاعر كما وصف ذلك بنفسه ، عموماً سأترك الأبيات دون تعليق تركا للقارئ الكريم أن يقف على:
اليومَ عاودني الحنينُ إلى الكلامْ .
صورٌ تزاحمُ بعضَها ،
وتقولُ لي : زِنِّي كما أحببتَ ،
واكتبني بقلبٍ مُستهامْ .
دعني أكونُ خفيفةً مثل الندى
ورقيقةً مثل السلامْ
لا تنتظرْ ..
فلقد أتيتُ لكي أريحكَ ،
غير أن الوقتَ يقتلني
لذا أنتَ المُلامْ
إنْ جئتُ باهتةً إليكَ ،
وبعضُ ألواني ، على ما لا يُرامْ
عِرني اهتمامكَ ،
لا تدعني هكذا دون اهتمامْ
لا أستطيعُ الصبر أكثرَ ،
لا تؤجلني ،
وخذني الآن للذكرى
لتعرف بعد عامٍ كيف كنا قبل عامْ
وبأن بغدادَ التي كانت هنا
ظلت هنا ،
ولسوف تبقى ها هنا
وعلى الدوامْ
من هنا علينا التفريق بين قصائد يحكمها جنرال اليأس وبين أشعار جنّدت نفسها للأمة ، لبث الأمل وروح الإيمان فيها رغم كل ما يصيبها من نوائب وينزل عليها من كوارث . من هنا نستطيع أن نتحسس مشاعر فاروق جويدة وهو يصرخ :
أطفالُ بغداد الحزينةِ يَسألونْ
عَنْ أَيِّ ذَنْبٍ يُقتلونْ
يَترَنَّحونَ على شظايا الجوع
يقتسمونَ خُبْزَ الموتِ.. ثُمَّ يُودِّعونْ
شبَحُ' الهنودِ الحُمْرِ' يَظهرُ
في صقيعِ بلادنا
ويصيحُ فينا الطامعونْ...
مِنْ كُلِّ صَوْبٍ قادمونْ
مِنْ كُلِّ جِنْسٍ يزحفونْ
وهو في خضم هذا الخطر الدّاهم يصف حال الأمة بدروبها المخضبة بالتضحيات يصف حال الفئة المتخاذلة لتكتمل الصورة ويرتسم المشهد الجريح في القلوب :
تَبدو شوارُعنا بلونِ الدَّمِّ
والكُهَّانُ في خمرِ النَّدامةِ غارقونْ
تبدو قلوبُ النَّاسِ أشباحاً
ويغدو الحلمُ طيفاً عاجزاً
بين المهانةِ.. والظنُّونْ
وبعد :
الليل الذي ازداد سواداً بسقوط بغداد ، صرخات القصائد متواصلة لكن في بعضها رؤية بعيدة ومعاني عميقة في قوالب شعرية ، من هذه الصرخات التي تشق ليل العروبة تنبه من الخطر وتدعو لليقظة قصيدة الشاعر الليبي عبد المولى البغدادي :
أَزِفَ السَّبْقُ يا خيولَ السِّباقِ مَنْ عَليهِ الرِّهانُ بعدَ العراقِ ؟؟
مَنْ عليهِ الرِّهانُ يا لجمَ الماسِ ومستودعَ الكنوزِ العِتاقِ
أَزِفَ السَّبْقُ والمنافِذُ سُدَّتْ واستعدَّتْ رقابُنا للسِّباقِ
وَدَنَتْ ساعةُ اللَّحاقِ ببغدادَ فماذا يكونُ بعدَ اللَّحاقِ؟؟
وقبل الوداع يكون النداء والخوف من الرثاء القادم إذا ظلت الأمة في غفلتها :
نحنُ لا أنتَ يا عراقَ الضَّحايا لم نزَلْ رغمَ بُعدِنا في اشتياقِ
لوْ تهاوى العراقُ لم يبقَ دَمعٌ أوْ دمٌ فى العُروقِ غيرَ مُراقِ
لوْ تهاوى العراقُ كمْ مِنْ عراقٍ سوفَ يهوي كذابلِ الأوراقِ
والله لو جاءت قصائدُ شعرائنا بهذا الصدق ، وهذا الإدراك لخطورة رسالته ، لتوقفنا عن القول بأن كثيراً من قصائدنا هي ثرثرة شعراء لا أكثر .
وتبقى بغداد رغم كل الأوجاع :
بغدادُ ثكلى لا يُكفكفُ دمعَها ...إلا لهيبٌ مَقدِسيٌّ عاتي
يهوي ب"أمريكا" إلى ذلِّ الرَّدى...والنَّخلُ يبقى شامخَ الرّاياتِ
فلسطين أرض وتاريخ | فلسطين القضية | القدس المحتلة | المسحد الأقصى المبارك | حركة حماس | الإرهاب الصهيوني | التحليل السياسي | فلسطين بالصوت والصورة | التراث الفلسطيني | تواريخ وأحداث | الفتاوى والتأصيل الشرعي | كتب وإصدارات | حقوق وحريات | الشعر والأدب الفلسطيني | مقالات وتقارير | مختارات
- * باربيتــــــــــا *الماسي
- مُشاركآتيَ » : 575
الجنس :
رد: بغداد .........اه لو يجدي الكلام
الجمعة مايو 14, 2010 5:24 am
عيونُ "المها " بين الرّصافةِ والجِسرِ …جلبنَ " الهوا " من حيثُ أدري ولا أدري
هكذا قال الشاعر علي بن الجهم عندما كانت العراق زاخرة بكل شئ جميل من الفن
و الأدب و التراث ليوم أصبحت العراق تئن تحت وطأة الجلاد المحتل و تئن على رحيل أهلها
و تبكي بغداد أبو جعفر المنصور بانيها ،،،، و يتحسر دجلة و الفرات
على أيام هارون الرشيد
]أخي
أثرت في قلبي الحسرة و الألم على ما آلت اليه عراق الشموخ و العزة
و ان شاء الله سيندحر الغاشم و تستعيد العراق عافيتها و تعود بلاد الرافدين
الي الحضن العربي
أشكرك جدا على موضوعك الشيق
و ربي لا يحرمنااااااااااااااااااااا من تواصلك العطر
و دمت بكل خير و سلااااااااااااااااااام
على فكرة انتة من وين ؟؟؟
- هيسوكا/ةالماسي
- مُشاركآتيَ » : 699
رد: بغداد .........اه لو يجدي الكلام
الجمعة مايو 14, 2010 6:05 am
تسلم ايييييييييييييييييدك موضوووووووع مميز
- Neon love Kurapicaالماسي
- مُشاركآتيَ » : 1772
الجنس :
رد: بغداد .........اه لو يجدي الكلام
الجمعة مايو 14, 2010 8:10 am
موضووووووووووع رائع تشكر على الموضوع
فعلااااااااااا موضوعك مميز
فعلااااااااااا موضوعك مميز
- spiritمبتدي
- مُشاركآتيَ » : 40
الجنس :
رد: بغداد .........اه لو يجدي الكلام
الأحد مايو 30, 2010 6:44 am
انا من العراق
- VLAMNCOالماسي
- مُشاركآتيَ » : 1748
دولتي :
الجنس :
رد: بغداد .........اه لو يجدي الكلام
السبت يونيو 05, 2010 10:30 am
انا ايضا اشكرك جدااا ياجميل
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى